فصل: تفسير الآيات (37- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (37- 38):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [37- 38].
{إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ} أي: من يخلق فيه الضلالة بسوء اختياره: {وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ} أي: ينصرونهم في الهداية، أو يدفعون العذاب عنهم. ثم بيَّن تعالى نوعاً آخر من أباطيلهم. وهو إنكارهم البعث بقوله:
{وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي: جاهدين فيها فـ: {جَهْدَ} مصدر في موقع الحال: {لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: أنه يبعثهم، فيبتّون القول بعدمه! وإنه وعداً عليه حقٌّ، فيكذبونه؛ وذلك لجهلهم بشؤون الله عز شأنه من العلم والقدرة والحكمة وغيرها من صفات الكمال. وبما يجوز عليه وما لا يجوز، وعدم وقوفهم على سر التكوين والغاية القصوى منه. وعلى أن البعث مما تقتضيه الحكمة. أفاده أبو السعود.
ثم ذكر حكمته تعالى في المعاد، وحشر الأجساد يوم التناد، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (39- 40):

القول في تأويل قوله تعالى: {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [39- 40].
{لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ} وهو الحق، وأنهم كانوا على الضلالة قبله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} أي: في أباطيلهم. لاسيما في إيمانهم بعدم البعث. ولذا تقول لهم الزبانية يوم القيامة: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور: 14]. ثم بيَّن عظيم قدرته، وأنه لا يعجزه شيء ما، بقوله سبحانه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} أي: فيوجد على ما شاء تكوينه، كقوله تعالى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50]، وقوله: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28].
قال الزمخشري: {قولنا} مبتدأ، و{أن نقول} خبره، و{كن فيكون} من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود. أي: إذا أردنا وجود شيء فليس إلا أن نقول له: أحدث، فهو يحدث عقيب ذلك، لا يتوقف. وهذا مثل؛ لأن مراداً لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته تعالى غير متوقف، كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل. ولا قولَ ثَمَّ. والمعنى: إن إيجاد كل مقدور على الله تعالى بهذه السهولة. فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو في شق المقدورات؟. انتهى.
قال الشهاب: فسقط ما قيل: إنَّ {كن} إن كان خطاباً مع المعدوم فهو محال. وإن كان مع الموجود كان إيجاداً للموجود. وفي الآية كلام لطيف مضى في سورة البقرة. فارجع إليه.
ثم أخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين الذين فارقوا الدار والأهل والخلان، رجاء ثوابه وابتغاء مرضاته، بقوله:

.تفسير الآية رقم (41):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [41].
{وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ} أي: مخلصين لوجهه، أو في حقه، وهم إما مهاجرة الحبشة الذين اشتد أذى قومهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبش بأمره صلى الله عليه وسلم، وذلك مخافة الفتنة وفراراً إليه تعالى بدينهم، وكانوا ثلاثة وثمانين رجلاً سوى صغار أبنائهم، وهي أول هجرة في الإسلام. ويؤيده كون السورة مكية.
أو هم مهاجرة المدينة، أخبر به قبل وقوعه أو بعده، إلا أنها ألحقت بالمكية. وقوله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ} أي: أوذوا، وأريد فتنتهم عن الدين: {لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً} يعني بالغلبة على من ظلمهم، وإيراثهم أرضهم وديارهم: {وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} يعني مضطهديهم وظالميهم. وقد روي أن عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه، كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه، يقول: خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل. ثم وصفهم تعالى بقوله:

.تفسير الآيات (42- 44):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [42- 44].
{الَّذِينَ صَبَرُواْ} أي: على ما أوذوا في سبيل الله: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} أي: فلا يخشون أحداً غيره. والوصفان المذكوران: الصبر والتوكل، من أمهات الصفات التي يجب على الداعي إلى الحق، والمدافع عنه، أن يكونا خلقاً له؛ إذ لا ظفر بغاية إلا بهما. ولما عجبوا من إيحاء الله لرسوله، واصطفائه برسالته، قيل في درء شبهتهم.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} يعني أهل الكتاب أو علماء الأحبار؛ ليعلموكم أنه لم يرسل للدعوة العامة ملك من أهل السماء. فالذكر: إما بمعنى الكتاب لما فيه من الذكر والعظة، كقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ} [يس: 69]، أو بمعنى الحفظ لأخبار الأمم السالفة. وفي الآية دليل على وجوب الرجوع إلى العلماء فيما لا يعلم. واستدل بها بعضهم على جواز التقليد في الفروع للعاميِّ. وفي ذلك بحث طويل في إيقاظ الهمم لِلْفُلاَّنِي، فارجع إليه إن شئت. وأشار إلى طرف منه في فتح البيان.
وقوله تعالى: {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} أي: بالآيات المبرهنة على صدقهم والكتب المرشدة إلى مصالح الخلق. والجار متعلق بمقدر يدل عليه ما قبله، أي: أرسلناهم. أو بـ: {ما أرسلنا}. أو بـ: {نوحي} أو بـ: {لا تعلمون}، على أن الشرط للتبكيت والإلزام: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} أي: القرآن المذكِّر والموقظ من سنة الغفلة: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} أي: مما أمروا ونهوا ووعدوا وأوعدوا: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} أي: ينظرون لأنفسهم فيهتدون فيفوزون بالنجاة في الدارين. أو يتأملون ما فيه من العبر فيحترزون عما أصاب الأولين. ولذا تأثره بقوله:

.تفسير الآية رقم (45):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [45].
{أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ} أي: المكرات السيئات التي قُصَّتْ عنهم. فهي صفة لمصدر محذوف أو مفعول لـ: {مكروا} بتضمينه معنى عملوا: {أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ}
أي: من جهة لا يعلمون بها، كما لا يشعر الممكور بقصد الماكر.

.تفسير الآيات (46- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائلِ سُجَّداً لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [46- 48].
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ} أي: سعيهم في المعايش واشتغالهم بها: {فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ} أي: لا يعجزون ربهم على أي: حال كانوا.
{أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} أي: توقع للهلاك ومخافة له، فإنه يكون أبلغ وأشد. أو ننقص في أبدانهم وأموالهم وثمارهم حتى يهلكوا. يقال: تخوفه: تنقصه وأخذ من أطرافه: {فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} أي: حيث يحلم عنكم ولا يعاجلكم بالعقوبة. ثم أخبر تعالى عن عظمته وجلاله وكبريائه بانقياد سائر مخلوقاته: جمادات وحيوانات ومكلفين من الجن والإنس والملائكة له سبحانه، بقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ} أي: جسم قائم له ظل: {يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ} أي: يرجع شيئاً فشيئاً: {عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائلِ} أي: عن جانبي كل واحد منها، بُكْرَةً وَعَشِيْاً: {سُجَّداً لِلّهِ} أي: منقادة له على حسب مشيئته في الامتداد والتقلص وغيرهما، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له: {وَهُمْ دَاخِرُونَ} أي: صاغرون. وغلب في جمعها من يعقل، فأتى بالواو. أو لأن الدخور من أوصاف العقلاء. فهو إما تغليب أو استعارة، وكذا ضمير {هم} أيضاً؛ لأنه مخصوص بالعقلاء. فيجوز أن يعتبر ما ذكر فيه، ويجعل ما بعده جاريًا على المشاكلة.
لطيفة:
لابن الصائغ في سر توحيد اليمين وجمع الشمائل توجيه لطيف. وملخصه: أنه نظر إلى الغاية فيهما؛ لأن ظل الغداة يضمحل بحيث لا يبقى منه إلا اليسير، فكأنه في جهة واحدة. وهو في العشيِّ على العكس، لاستيلائه على جميع الجهات. فلحظت الغايتان. هذا من جهة المعنى.
وأما من جهة اللفظ فجمع ليطابق {سجداً} المجاور له، كما أفرد الأول لمجاورة ضمير {ظلاله} وقدَّم الإفراد لأنه أصل أخف. و{عن اليمين} متعلق بـ: {يَتَفَيَّأُ} أو حال. كذا في العناية.
ثم بيَّن سجود سائر المخلوقات سواء كانت لها ظلال أم لا، بقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (49):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلائكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} [49].
{وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلائكَةُ وَهُمْ} أي: الملائكة، مع علو شأنهم: {لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} أي: عن عبادته والسجود له.

.تفسير الآية رقم (50):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [50].
{يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} أي: من الطاعات والتدبير. واستدل بقوله: {مِّن فَوْقِهِمْ} على ثبوت الفوقية والعلو له تعالى. وقد صنف في ذلك الحافظ الذهبي كتاب العلوّ وابن القيم كناب الجيوش الإسلامية وغيرهما. وأطنب فيها الحكيم ابن رشد في مناهج الدولة فليرجع إليها. وكلهم متفقون على أنه علوٌّ بلا تشبيه ولا تمثيل. وانفرد السلف بخطر التأويل والتعطيل. وقوله:

.تفسير الآية رقم (51):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} [51].
{وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} إعلام بنهيه الصريح عن الإشراك. وبأمره بعبادته وحده، وإنما خصص هذا العدد؛ لأنه الأقل، فيعلم انتفاء ما فوقه بالدلالة. فإن قيل: الواحد والمثنى نص في معناهما، لا يحتاج معهما إلى ذكر العدد، كما يذكر مع الجميع. أي: في نحو رجال ثلاثة، وأفراس أربعة؛ لأن المعدود عارٍ عن الدلالة على العدد الخاص، فلِمَ ذكر العدد فيهما؟ أجيب بأن العدد يدل على أمرين: الجنسية والعدد المخصوص. فلما أريد الثاني صرح به للدلالة على أنه المقصود الذي سيق له الكلام وتوجه له النهي دون غيره. فإنه قد يراد بالمفرد الجنس، نحو: نعم الرجل زيد. وكذا المثنى كقوله:
فإن النار بالعودين تذكى ** وإن الحرب أولها الكلام

وقيل: ذكر العدد للإيماء بأن الاثنينية تنافي الألوهية. فهو في معنى قوله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، فلذا صرح بها، وعقبت بذكر الوحدة التي هي من لوازم الألوهية.
قال الشهاب: ولا حاجة إلى جعل الضمير للمعبود بحق المراد من الجلالة على طريق الاستخدام.
وقوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهَ} معطوف على قوله: {وَلِلَّه يَسْجُدُ} أو على قوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} وقيل: إنه معطوف على: {مَا خَلَقَ اللَّهُ} على أسلوب:
علفتها تبنا وماء باردا

أي: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ} ولم يسمعوا ما قال الله؟ ولا يخفى تكلفه. وفي قوله: {فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ} التفات عن الغيبة، مبالغة في الترهيب. فإن تخويف الحاضر مواجهة، أبلغ من ترهيب الغائب، لاسيما بعد وصفه بالوحدة والألوهية المقتضية للعظمة والقدرة التامة على الانتقام. وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (52- 55):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [52- 55].
{وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} معطوف على قوله: {إِنَّمَا هوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أو على الخبر، أو مستأنف {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً} أي: العبادة لازمة له وحده. ولزومها له ينافي خوف الغير؛ إذ يقتضي تخصيصه تعالى بالرهبة والخشية، وهذا كقوله: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عِمْرَان: 83].
{أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ} أي: وهو مالك النفع والضر.
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} أي فمن فضله وإحسانه: {ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} أي: لا تتضرعون إلا إليه؛ لعلمكم أنه لا يقدر على كشفه إلا هو سبحانه. والجؤار: رفع الصوت. يقال: جأر إذا أفرط في الدعاء والتضرع، وأصله صياح الوحش.
{ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} أي: بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيتها منه. وكذا بنسبة الضر إلى الغير، وإحالة الذنب في ذلك عليه، والاستعانة في رفعه به. وذلك هو كفران النعمة، والغفلة عن المنعم المشار إليهما بقوله:
{لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ} أي: من نعمة الكشف عنهم. واللام للعاقبة والصيرورة: {فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} أي: وبال ذلك الكفر. وفيه إشعار بشدة الوعيد، وأنه إنما يعلم بالمشاهدة، ولا يمكن وصفه، فلذا أبهم.
وللقاشانيِّ وجه آخر، قال: أو فسوف تعلمون، بظهور التوحيد، أن لا تأثير لغير الله في شيء. ثم بيَّن تعالى من مثالب المشركين بقوله: